شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
84892 مشاهدة
مسألة: حديث الأوعال

قوله:
( وروى أبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: إن ما بين سماء إلى سماء مسيرة كذا وكذا.. - وذكر الخبر إلى قوله - ... وفوق ذلك العرش، والله - سبحانه - فوق ذلك فهذا وما أشبهه مما أجمع السلف - رحمهم الله - على نقله وقبوله، ولم يتعرضوا لرده، ولا تأويله، ولا تشبيهه، ولا تمثيله.
سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله فقيل: يا أبا عبد الله الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ( طه:5 ) كيف استوى ؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة، ثم أمر بالرجل فأُخرج ) .


شرح:
هذا الحديث يسمى حديث الأوعال، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الواسطية )، ولما حصلت المناظرة بينه وبين الأشاعرة في دمشق وأرادوا أن ينكروا عليه، وكان مما استدل به هذا الحديث الذي ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم خلْق المخلوقات، ثم قال في آخره: والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه .
لما ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - السماوات ، وذكر البحار التي فوقها، وذكر الأوعال التي هي الملائكة الذين يحملون العرش، قال بعد ذلك: ( والعرش فوق ذلك ) يعني: فوق ظهور الأوعال، مع ذكره لعِظم خلقهم، والله فوق العرش دليل صريح بذكر الفوقية.
قالوا:إن الحديث في إسناده عبد الله بن عميرة وأنه لا يعرف إلا به، ولكن شيخ الإسلام يقول : إن هذا الحديث قد رواه كثير من الأئمة مؤيدين له ، ومن جملة من رواه إمام الأئمة ابن خزيمة في كتابه ( التوحيد ) المطبوع المشهور المحقق؛ ذكر في أول الكتاب أنه لا يروي إلا الأحاديث التي صحت وليس في أسانيدها طعن ولا انقطاع ، فهو روى هذا الحديث وسكت عنه ، وذلك دليل على ثبوته ، وفيه إثبات الفوقية أن الله - تعالى - فوق العرش الذي هو فوق المخلوقات، ولا دلالة أصرح من هذا الدليل .
والله فوق العرش ، وهو يعلم ما أنتم عليه يعني: أنه مع علوه، فهو - سبحانه - يطلع عليكم، ولا يخفى عليه منكم خافية، يعلم القريب والبعيد.
وآيات المعية، وآيات القرب كثيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام أن ما ذكر في القرآن من علو الله تعالى وفوقيته لا ينافي ما ذكر من قربه ومعيته ؛ فإنه سبحانه لا يقاس بخلقه، وليس كمثله شيء، وهو عليٌّ في دنوه، قريب في علوه، نَصفه بأنه هو الأعلى وهو معنا، ومطلع علينا، يرى عباده ويعلم أحوالهم، كما في قوله تعالى : وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ( ق:16 ) وفي قوله تعالى: وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ ( الأعراف:7 ) .
هذه الأدلة ونحوها أدلة صريحة في إثبات العلو، والأدلة كثيرة وقد مر بنا آيات الاستواء، وآيات ذكر السماء، وهذان نوعان من الدليل.
والدليل الثالث: آيات العلو كقوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( البقرة:255 ) سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ( الأعلى:1 ) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ( الليل:20 ) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا ( النساء:34 ) إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( الشورى:51 ) ونحو ذلك، فالعلو ثابت لله - تعالى - بجميع أنواعه؛ وأنواع العلو ثلاثة : علو القدر، وعلو القهر ، وعلو الذات, ومثله آيات الفوقية، مثل قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ( الأنعام:18 ) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ( النحل:50 ) فإذا قال النفاة: إن قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ إن الفوقية هنا فوقية الغلبة، يعني: الغالب فوق عباده، يعني: غالبًا لهم وقاهرًا لهم، وشبهوا ذلك بقول فرعون وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ( الأعراف:127 ) وكذلك قالوا: إن العلو هنا علو الغلبة ، وعلو القهر، وقالوا: إن هذه شبيهة بقول فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ( النازعات:24 ) الجواب أولاً: هذا لا يتأتى في آية: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ فإنه صريح في أن الفوقية ثابتة من فوقهم، ويمكن أن يصح في قوله: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ أنها فوقية القهر وفوقية الغلبة وفوقية القَدْر، ومع ذلك يلزم من فوقية القهر فوقية الذات ، فالله - تعالى - فوق عباده بذاته، والعلي بقدره ، والعلي بقهره، يعني: القاهر لهم، والذي هو فوقهم كما يشاء سبحانه وتعالى، ومثل ذلك آيات الرفع ؛ كقوله تعالى: وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ( فاطر:10 ) إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ ( آل عمران:55 ) ونحوها، وآيات العروج قال تعالى: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ( المعارج:4 ) ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ ( السجدة:5 ) وآيات الصعود قال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ( فاطر:10 ) ومثلها ما ذكر الله عن فرعون أنه أراد الصعود إلى السماء، قال تعالى في قصته: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى ( غافر:36-37 ) لا بد أن موسى أخبره بأن الله في السماء ، ولو كان موسى أخبره بأن الله في كل مكان لما تكلف أن يبني الصرح، فهذا دليل على أن الله تعالى أمر موسى بأن يبين له ويعلمه أن الرب تعالى في السماء، فلذلك بنى الصرح محاولا أن يطلع على إله موسى .